السنة النبوية المطهرة |
أهمية الحديث النبوي كمصدر تشريع
أولا: أهمية الحديث النبوي في فهم القرآن الكريم
تُعتبر السنّة النبويّة الشّريفة أحد مصادر التشريع الإسلامي، فمن الجهة الأولى تُعتبر مصدراً مُعِيناً على فهم القرآن الكريم، ومن جهةٍ أخرى تُعتبر السّنة النبوية مصدراً تشريعيّاً مستقلاً ومنفصلاً عن القرآن الكريم؛ فقد جاءت بأحكامٍ فقهيّةٍ تفصيليّةٍ غير موجودةٍ في القرآن الكريم، وجاءت بأحكامٍ متعدّدةٍ، ومن هذه الأحكام ما يأتي:
النوع الأول: أحكامٌ موافقة للأحكام التي جاء بها القرآن الكريم ومُقرّة لها: ومن أمثلتها ما يأتي: وجوب الصلاة والحجّ في القرآن الكريم: فقد قال الله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). حرمة قتل النفس المسلمة إلّا بالشروط التي وضعها الله -تعالى-: فقد قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، وقد وافقت السنّة النبويّة هذه الآية في ما ثبت في حديث نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّانِي، والمارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَماعَةِ).
النوع الثاني: أحكامٌ مُفصِّلةٌ ومفسِّرةٌ للأحكام المجملة التي جاء بها القرآن الكريم: ومثال ذلك ما يأتي: الأحاديث النبويّة الشريفة التي بيّنت مقادير الزّكاة. الأحاديث النبويّة الشريفة التي بيّنت مقدار المال المسروق الذي يجب فيه قطع يد السارق. الأحاديث النبويّة الشريفة التي بيّنت كيفيّة الصّلاة والحجّ اللّذان فرضَهما الله -تعالى- في القرآن الكريم على كلّ مسلم.
النوع الثالث: أحكامٌ مُقيّدةٌ للأحكام المطلقة التي جاء بها القرآن الكريم: ومنها: قطع يد السّارق التي قيّدتها السنة بقطعها من الرسغ، أو أحكامٌ مخصِّصَةٌ للأحكام العامة التي جاء بها القرآن الكريم؛ ومثالها: تحريم المَيتة، فقد جاءت السنّة باستثناء ميتة البحر، بالإضافة إلى تخصيص الحُكم العام، كما في جواز الزواج من غير المُحصَنات عموماً في قول الله -تعالى-: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)، فاستثنت وخصّصت السنّة النبويّة العمّة والخالة بحديث رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُجْمَعُ بيْنَ المَرْأَةِ وعَمَّتِها، ولا بيْنَ المَرْأَةِ وخالَتِها).
النوع الرابع: أحكامٌ تُبيَّن قياساً على أحكام القرآن الكريم: لزوال الفارق بين الأصل الوارد في القرآن الكريم والفرع الوارد في السنّة النبوية الشريفة، ومثالها: تحريم الزواج من النساء القريبات عن طريق الرضاعة؛ كالأم والأخت من الرضاعة، فقد قال -تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ)، ثم جاء حديث رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)، فأضيف إلى الأمّ والأخت كل النساء التي تُحرَّم من الرضاعة قياساً على القرابة، كالخالة والعمّة من الرضاعة.
النوع الخامس: أحكام تبيّن المُشتَبه على الأفهام في القرآن الكريم: فاشتبهت كلمة: (ظلم) على فهم الصحابة في قول الله -سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)، فظنّوا أنّ الظلم معناه هو الإثم والذنب، فسألوا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- فبيّن لهم أن الظُّلم في الآية هو الشرك بالله -سبحانه وتعالى-.
النوع السادس: أحكامٌ تُضاف لما في أحكام القرآن الكريم: ومثالها عقوبة الزّاني غير المتزوج التي ثبتت أنّها مئة جلدة في قول الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)، فضاف إليها الحديث النبوي الشريف التّغريب من البلد لمدّة سنةٍ، فقد صحَّ عن رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم: (البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ ونَفْيُ سَنَةٍ).
ثانيا: أهمية الحديث النبوي في الفقه الإسلامي
يُعتبر الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني من مصادر التشريع في الفقه الإسلامي، ومن أجل هذه المكانة؛ فإنّ علم الحديث نقلاً وفهماً يأخد المرتبة العليا بين العلوم، وبهذا العلم يُفرَّق بين الحديث الصحيح وغيره من مراتب الحديث التي تُبنى عليها الأحكام الشّرعية التي يستطيع المسلم من خلالها التّأسّي بقدوته وحبيبه رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد جمع هذا العلم الشريف أقوال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأفعاله، وصفاته، وحتى سَكَتاته وتقريراته وكلّ سيرته -صلى الله عليه وسلم-. وجاءت السنّة النبويّة الشريفة بأحكامٍ جديدة ما جاء بها القرآن الكريم من قبل؛ فهي بذلك تُعدّ مصدراً مستقلاً بذاته كما قال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَهُ معهُ)، فهناك بعض الأحكام لم يُقِرّها القرآن الكريم أو ينهى عنها، وجاء بيانها في الحديث، ومن ذلك الأحاديث النبوية التي أثبتت إرث الجدّة وأحكام الشّفعة، وصدقة الفطر التي أثبتها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في ما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- حيث قال: (فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ). أهمية الحديث النبوي في العقيدة الإسلامية إنّ للحديث النبوي أهميّةً في العقيدة الإسلامية من جانبين، الأول: أنَّ جزءاً من الأحاديث التي صحّت بيّنت العقيدة الإسلامية، وبهذا تكون مصدراً لها، والأخرى أنّ بعض الأحاديث جاءت بأخبارٍ غيبيّة، ويعدّ الإيمان بالغيبيّات جزءًا من العقيدة الإسلامية.
ثالثا أهمية الحديث النبوي كمصدر من مصادر العقيدة الإسلامية
إنّ للعقيدة الإسلاميّة مصدرين اثنان لا ثالث لهما وهما: القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فلا خطأ ولا اضطراب في فهم عقيدةٍ مصدرها وحيٌ من الله -تعالى-، فقد قال الله -سبحانه-: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَ)، والعقيدة أمرٌ توقيفيّ؛ أي أنّها لا تصحُّ إلّا بدليلٍ من الله -تعالى- مُنزل الوحي، ولا يصِحُّ فيها الاجتهاد والرّأي أبداً، فليس للإنسان قدرةٌ على معرفة الله -تعالى- إلّا بما أخبره الله -سبحانه وتعالى- به. ومن الأحاديث التي بيّنت العقيدة الإسلامية ما صحّ عن رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- في حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً شديد بياض الثياب أتى إلى رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الإيمان، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ).
المصدر: موقع موضوع
ـــــــــــــــ
التسميات :
الحديث الشريف